القَلَقُ الإيْجَابِيّ.. بَيْنَ قَوْسَيْن
01 يناير 2021 د.عماد الخطيبلقد ذكر الدكتور طلال في مقالته عن "الإعصار القادم في الاقتصاد العالميّ" أنّه ثمّة [نعمة وراء كلّ نقمة]..
ثم أنّ ثمّة معادلة في الحياة بشكلٍ عام هي (معادلة الرّبح والخسارة)؛ فكما أنّه ثمّة مَنْ سيخسر، فإنه ثمّة مَنْ سيكسب، وإن هذا لا علاقة له بنمط معيّن في الحياة، دون نمط آخر؛ فتلك معادلة صادقة في جوانب معيشيّة متعددة، مثل الحروب والتجارة ومختلف المعاملات.
ويعلمنا طلال أبوغزاله أنّه وفقًا لتلك المعادلة فإنّ علينا ممارسة مسؤوليّاتنا تجاه مصطلح اجتماعيّ مُفيد هو "القلق الإيجابيّ"، الذي هو "القلق البنّاء، لا الهدّام، وإنّه القلق الذي يتبعه تشخيصٌ، فبيانٌ، فتخطيطٌ، فسَرْدٌ لمتطلباتنا وطرق مواجهتنا للتّحدّيات (بندًا بندًا)، وفق اقتراح نقاط استباقيّة؛ تضمن تجاوزنا للأزمة بأمان".
إنه عملٌ منظّم، ومدروس، وله أسسه، وقواعده، فما عاد من الحكمة (الانتظار) حتى وقوع "الفأس بالرأس" ثم مواجهة ما قد يكون! لأنّ ذلك ضربٌ من العَبَث، والتّخبط، واللامسؤوليّة، فإذا ما فضّلنا (الانتظار) على (التّخطيط) نكون قد استبدلنا مصطلح (القلق الإيجابيّ) بمصطلح (الاتّكاليّة)، وحينها لن يكون من السّهل علينا اتّخاذ أيّ قرار لصالحنا، فما لم نبنه، لا يحقّ لنا أن نشارك في تجهيزه!
وإنّ من واجبنا تجاه أجيال أمّتنا أن نعمل بحرصٍ، وثقّة دائبين، وبكلّ تخطيط، وحنكة لمواجهة ما قد يَقْدُم إلينا مع (الإعصار) خصوصًا وأنه لا علم لنا به، ولكن يمكننا أن نستشفّ وجوده بيننا.. وأن نخطّط لمواجهة ما قد يُشْكِلُهُ.
وما ذاك إلا بفضل إيماننا بمصطلح "القلق الإيجابيّ" وبما بعثه فينا من تخطيط، سيمكّننا من مواجهة أيّ خطر، وتجاوزه بأقلّ الخسائر، وهذا سرٌّ من أسرار النّجاح.
ويعلمنا طلال أبوغزاله أنّ العالم يدخل في مرحلة ما يعرف بـ Stagflation أي (Stagnation & Inflation) وهو ما يعرف بـ(الإعصار) أي تزامن (الرّكود) مع (التّضخّم)! وهو "مزيج غريب يسود فيه الكساد في النّشاط التّجاريّ، ويرافقه غلاء في الأسعار.. رغم توفّر البضائع" كما قال.
أما دلائل وجود الإعصار فتتمثل في إعلانَين، الأول لـ (جيمي ديمون)، رئيس أكبر بنك أمريكي، حين أعلن عن قدوم (إعصار في الاقتصاد العالميّ)، والثّاني إعلان (البنك الفيدراليّ الأمريكيّ) لبرنامج معروف باسم (Quantitative easing)، أي (انخفاض التّسهيل الكميّ وتشديده) ليصل إلى 95 مليار دولار شهريًّا، وهذا أعلى مستوى تشديد تشهده أمريكا منذ قيامها!
وعليه، فإنّ (الحِكمة) تقتضي الجاهزيّة للتّعامل مع هذا الإعصار القادم لا محالة!
ومن الحكمة أن نقلق على التّغيّر الذي سيصيب حالنا، وأثره على مستقبل أيّامنا، وإن قلقنا هذا ليس تشاؤمًا، ولا إحباطًا، بل تخطيطٌ، وإتقانٌ؛ وإنّ من الأهمية بمكان أن نعترف بالحقيقة المُرّة، وأن نكون صريحين مع أنفسنا أولا، ومع أهلينا ثانيًّا، وألا نبقى كالنّعام نخبّئ رأسنا؛ خوفًا من المَجهول، وأن نبقى نردد بأنه (لا حول لنا ولا قوّة).. كما أنّ من الأهمية بمكان أن نُعدّ العُدّة لمواجهة ما قد يأتي به الإعصار، وألا نتشاءم، أو نُسيء الظنّ بقدراتنا، وبمُفكّرينا، وألا يكون حديثنا مُنصبًّا على إحباط المواطنين، بل من الحكمة رفع معنويّاتهم، والتّوجّه إلى تطبيق مصطلح (الحِمَائِيّة) وفق المؤشّرات والمعايير الدّوليّة.
وأخيرًا...
فيعلمنا طلال أبوغزاله أن مقولة "إنّ هذا الإعصار المتوقّع هو نتيجة الحرب الرّوسية/الأوكرانية"، خطأ، وأن الصواب هو "أن هذا الإعصار هو نتيجة للعقوبات الأحاديّة التّجاريّة التي تفرضها الدّول على بعضها"، مع عدم نفي الأثر الذي جرته الحرب تلك على الإعصار؛ لكن إنّ أيّ [عقوبات تجاريّة] لا يجوز أن تكون إلا بموجب "اتّفاقيّات التّجارة العالميّة"، ويحكمها جهاز قانونيّ مكوّن من هيئة مستقلة ((Dispute Settlement Body هي التي تقرّها"، وعدا ذلك سيؤدي إلى تدمير النّظام التّجاريّ العالميّ، والتي باتت مؤشّرات خرابه تتّضح من خلال خلو العالم من نظام يحكم التّعاملات، وغياب قيادة عالميّة جديرة بالاحترام!
وبعد، فسينتج عن القلق الإيجابي جلوس قطبيّ العالم من الكبار؛ إذ لا منتصر بينهم في الحرب العالميّة الثالثة القادمة! من أجل صياغة "نظام عالميّ جديد"، وانتخاب قيادة عالمية جديدة.
ولعلنا نرفعُ القبّعة لمن يُثمّن (الحِكمة) وتلقيها، ويعرف "مِن أين تؤكل الكتف"، ويعمل بجدّ، وإخلاص ودون كلل، أو ملل، ومَن يطوّر برامجه، ولا يقف مُتفرّجًا على ما يجري في العالم، ويؤمن بأهميّة مصطلح (القلق الإيجابيّ) "الذي يهدي إلى الحلول، ويخترق المُستحيلات، ويواجه المُشكلات، ويضمن الجاهزيّة والنّفع.. ويمنع الفشل والسّقوط، لا سَمَحَ الله ولا قَدّر.