الصراع بين الولايات المتحدة والصين: الأمن مقابل النمو

07 ديسمبر 2023

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث تحولت من الشراكات التجارية إلى الخصومة المباشرة. ففي خطابها في 20 إبريل 2023 في مدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، صرحت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، أن شروط التعاون بين البلدين قد تغيرت، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تعتبر الصين الآن تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي. ويبدو أن أربعين عامًا من العلاقات الثنائية والكثير من الدماء والعرق والدموع قد ولت إلى حد كبير، مع تزايد العداء بين الدولتين في جميع المجالات المشتركة.

لقد بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لتشويه سمعة الصين وتبرير موقفها المتشدد ضدها باتهامات بالممارسات التجارية غير العادلة وسرقة الملكية الفكرية وتجسس الشركات وانتهاكات حقوق الإنسان. كما فرضت تعريفات جمركية على سلع صينية بمئات المليارات من الدولارات وقيدت الاستثمار الأمريكي في قطاعات صينية معينة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، مبررة ذلك بما قد ينتج عنه من خطر أمني. وردت الصين على هذه الإجراءات بفرض رسوم جمركية من طرفها على الصادرات الأمريكية وخفضت التعريفات الجمركية على الواردات من دول أخرى، إضافة لإجراءات أخرى للحفاظ على مصالحها الأمنية الوطنية من خلال الاندماج العسكري والمدني، ومبادرة الحزام والطريق، وسياسات السيادة الرقمية.

أظهرت الدراسات التي أجراها صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي أن الحرب التجارية أدت إلى خفض الإنتاج العالمي وزيادة التضخم وتعطيل سلاسل التوريد. وقدر صندوق النقد الدولي أن تشكيل تكتل أمريكي وتكتل صيني يمكن أن يخفض الإنتاج العالمي بمعد يصل إلى 2٪ على المدى الطويل. كما وجد البنك المركزي الأوروبي أن الحرب التجارية يمكن أن تساهم في تفاقم نسبة التضخم لتصل إلى 5٪ على المدى القصير وحوالي 1٪ على المدى الطويل. وقد تكون لهذه التطورات أيضًا آثار على السياسة النقدية والاستقرار المالي في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
من المثير للاهتمام أن الحرب التجارية وفرت فرص تجارية للدول الأخرى التي زادت صادراتها إلى الولايات المتحدة والصين وغيرهما. وقد وجدت دراسة أجراها البروفيسور بابلو فاجيلباوم، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، أن الحرب التجارية عززت التجارة العالمية بنسبة 3٪، حيث قامت البلدان التي لا تعد طرفًا في الخلاف بتوفير بدائل للمنتجات التي كانت تنتجها الولايات المتحدة أو الصين سابقًا. وتستفيد الولايات المتحدة من دور الدولار كونه العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، مما يسمح لها بالاقتراض بثمن بخس من الخارج، ولكن قد لا تتمكن من القيام بذلك بعد الآن مع تزايد المحادثات حول استبدال الدولرة Dollarization على مستوى العالم.

تهتم كل من الولايات المتحدة والصين بأمنهما الجيوسياسي وتشعران بالقلق إزاء تأثير وقوة وعمل كل منهما. ولدى كل منهما سياسات تهدف إلى حماية مصالحهما وكبح نفوذ منافسهما مما يؤدي إلى تكوين جانبين متنافسين، حيث تتحد الدول مع الولايات المتحدة أو الصين على أساس مصالحهما الاقتصادية والسياسية. لقد كتبت سابقًا بأن هذا يجري بالفعل تحت ستار مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة، وتحالف البريكس بقيادة الصين.

ونظرًا لعضويتي السابقة في لجنة منظمة التجارة العالمية لتحديد مستقبل التجارة، أدركت أن هذا الوضع المحفوف بالمخاطر يشكل تحديًا خطيرًا لكلا البلدين ولبقية العالم. يتعين على الولايات المتحدة أن تزن التكاليف والفوائد المترتبة على تعريض مصالحها الاقتصادية للخطر بسبب مخاوفها الأمنية. ويتعين على الصين أن توازن بين أهدافها التنموية وطموحاتها الأمنية. كذلك يجب على الدول الأخرى أن تتعامل مع الديناميكيات المتغيرة للتجارة العالمية والجغرافيا السياسية. وما أخشاه هو أن كل ما سبق، إلى جانب التهديدات المتزايدة على كلا الجانبين، سوف تتوج بنزاع عسكري بين البلدين، مما سيؤدي إلى خسائر فادحة ودمار ما يستوجب تجنب ذلك بأي ثمن.

طلال أبوغزاله