المفكر العربي العالمي طلال أبو غزالة يلقي ضوءا على الخدمات المالية الرقمية كعنصر أساسي في التنمية المستدامة في الأرياف والمدن وفي تحقيق حياة أفضل للفقراء
15 أغسطس 2021تحقق التعاملات الرقمية ؛ المساوة المالية بين طبقات المجتمع ومع
النساء .. وتحول دون الفساد والسرقات والتحايل .. وتوفر أكلاف التعاملات
المصرفية التقليدية .. وتتيح إستخدامات أشمل في الصحة والتعليم والإستثمار.. وتحقق
إنتقالا سلسا وسريعا للأموال دون حاجة لنقل أحجام كبيرة من الأوراق النقدية
عين الاردن ..
محمد شريف الجيوسي
يفرض النمو السكاني المتزايد في العالم، ضرورة إتاحة الخدمات المالية
للجميع بالتساوي وبشكلٍ عادل وسعر معقول وشفاف .
أكد ذلك المفكر العربي العالمي الدكتور طلال أبو غزالة وأوضح أن الوضع
المصرفي التقليدي الراهن يستبعد ملايين البشر من المشاركة في المؤسسات المصرفية،
وتتسرب بذلك المليارات، بعيداً عن تطوير اقتصاديات مزدهرة ومستدامة.
وحيث أن البشرية الآن ؛ وسط ثورة رقمية عالمية، فإن تشميل
القطاعات المهملة يجب أن يصبح أولوية لأجل تشييد بنى تحتية وحكمٍ رشيد ، لتمكين
هذا القطاعات بالكامل.
ويرى المفكر أبو غزالة، أن وباء “كوفيد” كشف الحاجة لبناء بنى تحتية
قادرة على التعامل مع الأزمات، لضمان عدم تعطل القطاع المالي في الدول النامية
بخاصة،وتمكينه من الإستدامة .
كما رأى أبو غزالة ، وجوب الاستفادة من انتشار التقنية، في الهواتف
الجوالة والإنترنت، لتوفير خدمات مالية آمنة بأسعار معقولة، حتى يتمكن الجميع، بغض
النظر عن موقعهم أو وضعهم الاجتماعي، من الوصول إلى الخدمات المالية.
ويدعم هذا التوجه؛سوق التقنيات المالية،في إفريقيا بخاصة ، التي تشهد
زيادة هائلة في مزودي الخدمات المالية الرقمية؛ الذين يقدمون الحسابات والمدفوعات
وخدمات الائتمان والتأمين عبر الإنترنت، عبر تطبيقات رقمية مبتكرة؛ للوصول إلى سوق
كان مستبعدًا سابقا.
ويتيح هذا التوجه ، لأفراد المجتمع المحرومين ؛ الانخراط مالياً عبر
مدخراتهم وعبر الحصول على قروض تتيح فرصاً إستثمارية ، ستؤدي بدورها إلى ازدهار
اقتصادي أكبر لأي دولة، ما يساعد في كسر حلقة فقر مفرغة يجد الكثيرون أنفسهم
داخلها.
وحيث تقدم الحلول الرقمية لأعضاء المجتمع ، أدوات سهلة الاستخدام،
يؤكد أبو غزالة ، أن هذا سيتيح الوصول إلى خدمات ماليةٍ آمنة لتجميع المدخرات، في
مسعى لامتصاص مخاطر الصدمات المالية وحالات الطوارئ.. فيمكن بالتالي لأصحاب العمل
والحكومات ، تحويل الأموال بسرعة وسهولة إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
ويوضح أبو غزالة ، أن هذا سيلغي الحاجة إلى نقل أوراق نقدية بأحجام ،
كبيرة ، عند السداد بالملايين، وفي نفس الوقت ، التقلبيل من حالات الاحتيال
والسرقة، وزيادة الشفافية وتخفيض كلفة الخدمات، وتحقيق انتشار أوسع ، ما يسمح
بزيادة الوصول إلى الخدمات المالية المتطورة مستقبلاً ؛ بخاصة للشريحة
المحرومة من خدمات البنوك التقليدية ؛ المالية.
ويضيف أبو غزالة ، أنه حيث أصبح إطعام عدد متزايد من السكان في
العالم تحديًا كبيرًا ، فقد بات ملحاً تجنيب القطاع الزراعي العالمي مخاطر
التقلبات، وتمكين المزارعين من السيطرة على المخاطر الزراعية وتقلبات المناخ .
ويرى أبو غزالة ، أن ما تقول به الإحصاءات ـ من أنه سيعيش نحو
60٪ من سكان العالم في المدن بحلول عام 2030 ـ يشكل تحديًا إضافياً ، أمام تقديم
خدمات عادلة ومستدامة ، في وقت يستوجب فيه التركيز على خدمات صديقة للبيئة،
للحد من انبعاثات الكربون وتحديات التغير المناخي..وهنا تتبين أهمية الدفع الرقمي،
في جذب الجمهور لاختيارات أكثر كفاءة في معالجة انبعاثات الكربون، كضرورة لمكافحة
التغير المناخي وكوارثه والتخفيف من آثاره، بالوصول إلى الائتمان والادخار
والتأمين الرقمي للفقراء، وفي تهيئة الظروف للناس بالعبور لاستثمارات صديقة
للبيئة، تتجاوز إمكاناتهم المالية في حالة التعاملات النقدية التقليدية .
بهذا المعنى فإن الوصول إلى مخططات الائتمان، سيساعد في تأمين السلع
الزراعية الأساسية، كـ الأسمدة والبذور، وتوفير التمويلات والتأمينات الصغيرة ،
ما يرفع أرباح المزارعين، ويحسن المحاصيل، ويحقق مكاسب إنتاجية.
كما يؤدي قبول المدفوعات الرقمية؛ الوصول إلى المجتمعات الزراعية،
والموزعين، وتحويل الأموال، والوصول إلى خطط ادخار مخصصة عبر الإنترنت، وإلى خلق
بيئة عملٍ أكثر عدلًا وشمولية.
ويلفت أبو غزالة النظر إلى تحدي الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية
بالنسبة للكثيرين، وذلك لأنها باهظة الثمن. بينما يتيح الشمول المالي الرقمي
للأسر؛ الادخار لحالات الطوارئ المتعلقة بالرعاية الصحية، عبر أنظمة الرعاية الصحية
الصغيرة، كما يوفر لمقدمي الرعاية دخلًا أكثر ضماناً، لا سيما في المناطق الريفية،
حيث يصعب إرسال الأموال النقدية.
ويوفر هذا نظاماً (إيكولوجي) محسن للرعاية الصحية ، لشريحة كانت محل
تجاهل ، ما سيترك آثاراً إيجابية على رفاهية المجتمع بعامة .
وبالنسبة لتعليم ملايين الأطفال في العالم ، غالبًا ما تكون تكلفة
إلحاق الأطفال بالمدارس عائقًا أمام الأسر ذات الدخول المنخفضة؛ بخاصة ، ما يحرم
الأطفال من الحق في التعليم أحياناً .
أبو غزالة يرى أن التمويل الرقمي للأسر يتيح التخطيط بتوفير نفقات
التعليم، ويساعد المدارس في تحسين إداراتها المالية، كما يوفر الموارد لتحسين
مخرجات التعليم، ويسمح للمعلمين بالحصول على رواتبهم بصورة آمنة ومضمونة وموثوقة ،
كما يتيح وصولاً عادلاً إلى التعليم ومهاراته (مدى الحياة )، ويخلق فرصاً
لعالم أكثر ازدهارًا.
ولفت أبو غزالة إلى أن 35٪ من النساء في العالم مستبعدات من النظام
المالي، وليس لديهن وسيلة للادخار، أو الوصول إلى منتجات مالية رسمية لهن ..
معتبراً أن توفير وصولهن إلى التمويل الرقمي أمرًا ضروريًا، لمنحهن سيطرة أكبر على
مواردهن المالية، ومساعدتهن في الحصول على قروض لتنمية أعمالهن، وتمكينهن من
اتخاذ قرارات مالية.
أضافة لذلك ؛ فإن توفير وصول النساء إلى التمويل الرقمي، خطوة رئيسة
لتعزيز المساواة بين الجنسين، ولها أهمية خاصة عندما تكون المرأة ؛ رب أسرة
وتحتاج إلى خيارات مالية مرنة
، واحتمال حصولها على أموال بطريقة آمنة ورقمية ، يتيح لهن تحديد
أولويات الإنفاق، مع علمهن أنهن يتحكمن بالكامل في أموالهن، ما يساعدهن على بناء
الملاءة الائتمانية.
ويعدّ الحصول على المياه النظيفة وخدمة الصرف الصحي الملائم ، حق
أساسي لكل فرد ، ففي بعض الدول، يواجه مزودو خدمات المياه مصاعب متزايدة في
توفير الخدمات للناس في المناطق الريفية، حيث تنطوي على تكاليف عالية مرتبطة
بالفواتير، وقياس الاستهلاك، والتحديات اللوجستية وبتحصيل المدفوعات.
وهنا أيضاً يرى المفكر أبو غزالة ، أن المحافظ الرقمية ستتيح للأسر
الاقتصاد في خدمات المياه ودفع تكاليفها بسهولة، وتقليل المدفوعات المتأخرة ، وفي
آن سيسمح لمزودي خدمات المياه خفض نفقات التشغيل، وتقديم خدمات أكبر وأكثر استدامة
مما هو متاح حاليًا.
وتعد الطاقة النظيفة والوصول إلى الكهرباء في المناطق الريفية تحديًا
مستمرًا ، يمكن مواجهته باستخدام مصادر الطاقة الخضراء والمتجددة.
هذا يتطلب بحسب أبو غزالة، توفراستثمارات مالية كبيرة من قبل شركات
الطاقة، الراغبة بعائدات لاستثماراتها، تسهلها الخدمات الرقمية، وتخفض تكلفة
تقديمها ، وتقديم خطط الدفع حسب الاستخدام، ما يضمن حصول الشركات على الإيرادات
بسرعة، وفي آن يتيح لملايين الأسر ذات الدخل المنخفض، الوصول إلى هذه الخدمات .
وفي البلدان الفقيرة ، يعدّ التوسع في الصناعات الصغيرة ، أمرًا
ضروريًا لتمكينها من النمو والوصول إلى أسواق جديدة، ما سيجلب المزيد من الأموال
إلى اقتصادها، ويزيد وتيرة التوظيف إجمالًا.
لذلك يؤكد أبو غزالة ، أن الحصول على تصنيف ائتماني، وسجلات مدفوعات،
وطرق آمنة وسهلة لإرسال الأموال إلى الموظفين والموردين وتسلمها منهم، يساهم في
تطوير قدر أكبر من الشمول المالي الرقمي.. ما يساعد في الحد من الاحتيال، ويسمح
للمؤسسات الصغيرة بالوصول إلى التمويل ، حيث يمكن التحقق بسهولة من درجة الملاءة،
وبالتالي حصول هذه المؤسسات على الأموال بسهولة.
ومن التحديات ، تقديم خدمات النقل والإسكان ، للمواطنين الذين ليس
لديهم سجل ائتماني ولا يمكنهم استخدام طرق التمويل التقليدية. لذلك، تتيح
المدفوعات الرقمية للعديد من المدن معالجة هذه الفجوات، بتوفير قروض عقارية رقمية
صغيرة، لمساعدة أولئك الذين يتطلعون إلى الحصول على سكن، ما يسهل على الناس
الاستثمار في الإسكان.
كما يمكن معالجة الازدحام المروري المتفاقم في المدن عبر تحصيل
رسوم المرور إلكترونيًا وأتمتة تحصيل المدفوعات على الطرق، وتجهيز وسائل النقل
العام بأنظمة رقمية لدفع الأجرة؛ لتحسين تقديم الخدمات ، ما سيجعل المدن
أكثر أمانًا واستدامة وشمولية.
يشدد أبو غزالة ، على أن توفر التكنولوجيا الرقمية ستزيد من الشفافية
في استخدام الأموال العامة، وهو أمر ضروري لمساءلة الحكومات، والمساعدة في إضفاء
الطابع الرسمي على الاقتصادات. ما سيوفر قيوداً قابلة للتدقيق، وهي ضرورية لمكافحة
الفساد الذي ابتليت به (البلدان الفقيرة)..
ويختم المفكر العربي والعالمي أبو غزالة ، بالتأكيد على أن التمويل
الرقمي سيسمح بمزيد من الشمول على جميع مستويات المجتمع، لتوفير خدمات لعدد متزايد
من سكان المناطق الحضرية، كما أنه ركيزة أساسية للوصول إلى هدف تحقيق مدن أكثر
تنمية مستدامة.