طلال أبوغزاله على "المنصّة "
25 يوليو 2023غادا فؤاد السمّان
لم أشأ في العنوان أن أكتب كما كثيرون كتبوا وأسموها "منصّة " طلال أبوغزاله، ولو فعلت ذلك من باب التأكيد أو حتى التوثيق.. فما الجديد إذ لطالما كان أبوغزاله على المنصّة، منصّة الحياة العلميّة، ومنصّة الحياة العمليّة، ومنصّة التصميم، ومنصّة التنفيذ، ومنصّة التميّز، ومنصّة النجاح، ومنصّة الاحتراف، ومنصّة التفوّق، ومنصّة التلفزة، ومنصّة الصحافة، ومنصّة الاستشارة، ومنصّة القرار، ومنصّة الحكمة، ومنصّة الحقوق، ومنصّة التحكيم، وكل منصّة دولية ممكنة خطرت في ذهن القارىء أم لم تخطر بعد، كان طلال أبوغزالة على متنها..
وهنا سيتساءل الكثير..
هل هو الحظ..؟!
هل هي الصدفة..؟!
أم دعاء الوالدين بلا منازع؟!
ولأنني أعرف الدكتور طلال أبوغزاله منذ أكثر من ثلاثة عقود وتحديداً منذ سنتي الدراسيّة الأولى للأدب الفرنسي في جامعة دمشق، استطاع أن يستشفّ منذ لقائي الأول به الذي رتّبه القدر دون أيّة دراية مسبقة مني، وعهد إليّ بدون تردد مجلته الأولى في مؤسسته العالميّة "المحاسب القانوني العربي " التي فتحت لي صفحاتها بين عمود ومقالة وموقف ورأي وكانت أولى المحطات الشاهقة، التي حظي بها قلمي والتي منحتني الكثير من الصلابة أمام الكبار، والكثير من المرايا أمام ذاتي، ولم يشعرني في أي وقت راهن أو أي وقت مضى إلا أنني أملك ثقة كبيرة بأبجديّتي، التي لا يضنّ الثناء على أيّ حرفٍ من حروفها، وأنني أملك طموحاً لافتاً لمعلّم لديه من عمق وبعد النظر، ما يكفي لتأهيلي إلى منصب "مستشار " في مجموعة عالميّة أسسها بجدارة واستحقاق وكفاءات عالية جدا قلّ نظيرها، ولو وضعت خريطة حقيقيّة لقراءة معرفتي بالقياس إلى معارفها لخسفتْ بي الأرض خجلاً، فكلّما قرأت هذا الرجل في لقاء أو كتاب أو مقال، أدركت كم ينقصني كما ينقص مجتمعاتنا بحالها من التحصيل المعرفي، ليس لأني امرأة كباقي النسوة تشغلنا الهوامش الفضفاضة أحياناً والخاوية أخرى نظراً لحكوماتنا الفاسدة ربما وساساتها الفاشلة دون ريب، إذ كم نغيب فعليّاً عن المنصّات العلميّة والفكريّة، بل حتى الرجل في مجتمعنا الشرقي ليس أفضل حالاً بكثير، فالذي ينتقد الذكاء الإصطناعي هو فاقد للذكاء "الطبيعي " أصلاً، ولهذا يحتفي به الرجل الثمانيني فهو الذي يسبقنا جميعاً بأزمنة علميّة وآفاق معرفيّة، ومعارج تكنولوجية، أجزم أننا لن نصلها، ليس لضيق الوقت، بل لفرط الكسل والخمول الذي فطرنا عليهما..
من القلائل جداً د. أبوغزاله الذي يقرأ في لغتي تلك العزيمة الضارية المتمرّدة، والتي لا أخفي أنها همدت مع الزمن بعض الشيء، ليس من باب الاعتراف بالتقدّم في العمر، بل من باب الخيبات الذي يصعب إغلاقه رغم كلّ المحاولات..
لست أنوي هنا أن أسوق أيّة طاقة سلبية لما بين سطورٍ، قد تصل إلى يد "عرّاب الإيجابيّة " طلال أبوغزاله.. بل أودّ أن أعبّر عن غبطتي الكبيرة وأنا أتصفّح منصّة أبوغزاله المشرقة بابتسامته، الأنيقة ببصماته التي يصعب الإحاطة بها جميعها.. والتي لم تحجب الضوء عن اسمي واسم العديد من المساهمين في المنصّة، بل أعطتنا المساحة الحرّة لنغترف من وهجها كما نشاء وأكثر.. عندما أرسلت الرابط لأحد الأصدقاء اللبنانيين الذي عرف دهاليز النجاح في دبي، علّق على مقالتي باتصال هاتفي موسّع.."قرأتُ مقالتك التي تتحدّثين فيها عن - رجل الأعمال – أبوغزاله"، وقبل أن يتابع قاطعته بخطاب من المهم جدّاً أن أحتفظ بنسخة منه لكل من يتبادر إلى ذهنه تصنيف أبوغزاله - الرجل الكبير قدراً ومقاماً – على أنه –رجل أعمال – فقد جاء في كلامي الذي لم يكن رهن الإعداد على الإطلاق بل جاء عفو الخاطر وبتلقائيّة تامّة إن دلّت على شيء فهي تدلّ على ما زرعه الرجل الكبير في وجدان الأجيال يؤكد ذلك قولي: عذراً انت تقول تكتبين عن رجل الأعمال أبوغزاله، وأنا أغالطك تماما.. فكم من مدّعي في عالمنا العربي يقول أنه رجل أعمال لا تعرف له مشروع من موضوع يُذكر.. لهذا لا يحق لك أو لغيرك أن تعتبر أو غزاله مجرّد رجل أعمال.. بل هو رجل آمال لأجيال كانت، وأجيال ستكون، وأجيال لم تلد بعد.. هو رجل فكر، ورجل معرفة، ورجل علم، ورجل ثقافة، ورجل اجتهاد، ورجل بناء، ورجل إنجازات، ورجل مجازفات كذلك، فمن غيره في عالمنا العربي من جميل المستثمرين الكبار، استثمر بغير الإسمنت، لتشييد الرفاهيّة الوهميّة، البراقة، من سواه اهتمّ بتحفيز الابتكار، والإختراع، والإبداع، والمهارات، العلمية والفكرية وتطوير الذات، من سواه وضع رأس ماله أجمع في مشروع تكنولوجي هدفه الأكبر توفير الحاسوب لكل طالب وكل بيت وكل مواطن ومواطنه، من سواه يعرف المعادلات الاقتصادية الناجحة والرهانات السياسية المختلة، على مستوى العالم.." طبعاً كان بوسعي أن أتابع أكثر وأكثرللاسترسال عن تعريف أبوغزالة، لكن خشيتي أن أستهلك من محدثي كل ما لديه من قدرة على التركيز، فيصير الكلام هباءاً منثوراً جعلني أكتفي بهذا اليسير من قبس شخصية أبو غزاله الإستثنائية، فما كان منه إلا أن سكب على مسمعي كل عبارات الإعتذار، وأودّ أن أستأنف هنا على مسمعه ومسمع كل من يقرأ هذه السطور، الإعتذار الذي يدين به كل واحد فينا ليس لي أو لطلال أبوغزاله أو لأحد.. بل يدين بالاعتذار من ذاته حين تجهل معرفة شخصيّة حقيقيّة بحجم "وطن "، وحجم فضاء، وحجم ضوء يسطع مع الزمن أكثر وأكثر على عدّة قارات في وقت واحد..
بيروت - لبنان