نظرة على عقد مضى: مراجعة لإصلاحات منظمة التجارة العالمية

26 نوفمبر 2023

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

منذ عقد مضى، كتبت تقريرًا مفصّلًا عن الحاجة الملحة إلى تجديد منظمة التجارة العالمية، لخصت فيه رؤية طموحة. ولكني أوضحت قبلها أنني كنت ولا زلت مؤيدًا للتجارة الحرة وداعمًا لهذه المنظمة الدولية دون أعذار.

تمحورت رؤيتي حول جعل منظمة التجارة العالمية قادرة على التعامل مع تعقيدات التجارة العالمية والاستجابة لها، وجعلها منظمة ماهرة ومنصفة ومهتمة بالاحتياجات المتنوعة لأعضائها، وملتزمة بالصواب بدلًا من رغبات الأقوياء. لقد دعوت لإحداث تغيير تطويري، وتفضيل التحسين التدريجي المستمر على التحولات المتقطعة الضخمة، مما يضمن بقاء المنظمة مرنة ورشيقة.

وبالنظر إلى الأعوام العشر التالية، كانت رحلة منظمة التجارة العالمية تجاه تلك التطلعات واعدة. فتأسيس وحدة التسليم يشهد بالتزام المنظمة بتحقيق نتائج ملموسة أثناء المؤتمرات الوزارية ذات الأهمية المتزايدة، التي، كما جاء في التقرير السنوي للمنظمة لعام 2022، تُعلق عليها الآمال في أن "تصبح أساسًا للتجديد المستمر وتنشيط منظمة التجارة العالمية."

إن الخطوة الجديرة بالثناء بإخضاع أمانة منظمة التجارة العالمية للتقييم الخارجي، إلى جانب إعادة التخصيص الاستراتيجي للموارد لقطاعات محورية، مثل اتفاقية تيسير التجارة ونظام فض المنازعات، يؤكدان على النهج الاستباقي. كما تثبت المداولات المستمرة بشأن التجارة الإلكترونية جاهزية منظمة التجارة لاحتضان مستقبل التجارة العالمية.

ومع ذلك، من الواضح أن الطريق أمامنا لا يزال مليئًا بالتحديات. ولا تزال الإصلاحات التأسيسية، مثل تصور نموذج جديد لفض المنازعات وخطط تفصيلية لإنشاء أمانة كاملة في مراحلها الأولى. علاوة على ذلك، فإن الوصول إلى اتفاق بالإجماع بشأن الاتفاقيات التجارية الرائدة أمر بعيد المنال، مما يعيق قدرة منظمة التجارة العالمية على التصدي بصورة شاملة للتحديات التجارية العالمية التي تتغير في طبيعتها وحجمها مع تغير العالم من حولنا أيضًا.

ومع ذلك، فإن تفاؤلي بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية لم يتضاءل. فأنا أؤمن إيمانًا راسخًا بحرص المنظمة المتجذر على التقدم والتكيف، الذي ظهر بجدارة وهي تناور ببراعة مع الخطوط العريضة للجغرافيا السياسية والتجارة العالمية.

ونحن نتطلع إلى المستقبل، أود أن أؤكد على الضرورات الاستراتيجية الرئيسية لمنظمة التجارة العالمية:

تتطلب آلية فض المنازعات إصلاحًا شاملًا للوصول إلى بنية ليست بسيطة فحسب، بل تتسم بالشفافية أيضًا. ومن المهم أن يجسد هذا النظام القدرة على التنبؤ، ويضمن الوضوح والثقة لجميع أصحاب المصلحة المعنيين. بالتوازي، هناك حاجة واضحة لتأسيس أمانة دائمة، لتكون بمثابة ركيزة قوية تدعم المبادرات العديدة التي تتخذها المنظمة وتعظمها، وتضمن تحقيق أهدافها باتساق. وبما أننا في عصر يتسم بالتحول الرقمي السريع، فمن الضروري أن ننخرط بشكل كامل في هذا التحول الرقمي. إن تبني ومعالجة الفروق الدقيقة في هذا التحول والتحديات التي تطرحها الحدود التجارية الناشئة سيضمن القدرة على التكيف وأهميته في مشهد سريع التطور.

علاوة على ذلك، ولتصبح منظمة التجارة العالمية انعكاسًا حقيقيًا للمجتمع الدولي، فمن الضروري إجراء إصلاحات في العضوية، على أن تهدف تلك الإصلاحات إلى ضمان توفير منصة منصفة يمكن لأي دولة، بصرف النظر عن حجمها أو ثقلها الجيوسياسي، أن تجد فيها تمثيلًا وصوتًا. وإنني أدعو بقوة زعماء العالم إلى الاحتشاد خلف جهود التحول التي تبذلها منظمة التجارة العالمية. وبوصفها رابطة لا غنى عنها للتجارة العالمية، فإنها تحتاج إلى تعزيز قدرتها على التوجيه والقيادة في هذا القرن الحيوي.
إننا معًا نمتلك القدرة ونتحمل المسؤولية لبناء منظمة التجارة العالمية لتكون صرحًا لا يتزعزع من الثقة والاحترام في التجارة الدولية. لنشرع في هذه الرحلة التحويلية، يدًا بيد.

طلال أبوغزاله