تحول الصين من الفقر إلى الازدهار والقوة

21 مايو 2024

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

تستحق رحلة بكين من ظلال الفقر إلى صدارة الازدهار العالمي دراسة أكثر تعمقًا كنموذج يُحتذى به للتحول الاقتصادي لما يحمل بين طياته من أهمية وإلهاما كبيرين.

ففي أواخر سبعينات القرن الماضي وتحت قيادة “دينغ شياو بينغ”، شرعت البلاد في مسار مختلف جذريا عن ماضيها، حيث أقر مهندس الإصلاح الصيني تعديلات ثورية فتحت المجال أمام الاستثمار الأجنبي والمؤسسات الخاصة على مصراعيها ومهدت الطريق لفترة من النمو المتصاعد تحولت الصين على إثرها من مجتمع زراعي إلى حد كبير إلى عملاق صناعي.

وفي الحقيقة فقد غدا هذا التحول استراتيجية توسيع المدن بشكل كبير، حيث تحولت مدن مثل شنغهاي وشينزن خلال عقود قليلة فقط من المحلية إلى العالمية لتروي وتجسد طموحات الصين وقدرتها على تنفيذ مشاريع ضخمة أسهمت فيما أسهمت في إعادة رسم التركيبة السكانية حين سرعت إنشاء طبقة وسطى واسعة، تمثل الآن قوة محورية في الاقتصاد الوطني.

وكذلك كانت التكنولوجيا ركيزة أخرى لاستراتيجية التنمية في الصين، حيث قفزت الأمة قفزات هائلة عن المراحل التقليدية لتبني التكنولوجيا فانطلقت مباشرة إلى قطاعات حديثة مثل الاتصالات والطاقة المتجددة والمواصلات عالية السرعة، ما دفع الصين إلى صدارة سلاسل التوريد، وحولها إلى رائدة في العديد من الصناعات التكنولوجية العالية ووضع معايير عالمية جديدة.

وعلى المستوى البنيوي، يتجلى تفكير الصين الاستراتيجي المستقبلي بشكل خاص في مبادرة الحزام والطريق، فمن خلالها يسعى التنين الآسيوي إلى خياطة شبكة من النفوذ الاقتصادي تمتد عبر القارات وتصدير نموذج للتنمية لا يفرق بين المكاسب الاقتصادية والنفوذ الجيوسياسي.

ولعل الجانب الأكثر عمقًا في صعود الصين يكمن في تأثيره على الشعب الصيني الصديق، حيث أدت الإصلاحات إلى خفض نسب الفقر بشكل كبير، وأخرجت مئات الملايين من الناس من براثنه إلى ظلال الأمن الاقتصادي وتجويد حياتهم، بما يجسد العنصر الأكثر إنسانية في تحولها. 

وأقول كمراقب للمشهد الدولي، إن إدراك قصة الصين ضرورة في التنمية الاقتصادية والحرية السياسية، ونموذج يجب على الدول الأخرى أن تتأمله، لاسيما أنه ظل بكل أشكاله العديدة، يتطور ويستمر في إعادة تعريف مصيره الوطني والمشهد الاقتصادي والسياسي العالمي.

إن تحول الصين هو بمنزلة شهادة تأكيد على أن التخطيط الاستراتيجي إلى جانب التنفيذ الأمين والقوي يمكنه التغلب على عقود من الجمود. وبالنسبة إلى صانعي السياسات والاقتصاديين والقادة في جميع أنحاء العالم، فإن تحول الصين من الضعف إلى القوة ليس مجرد درس في التنمية الاقتصادية، بل رواية عن الصمود البشري والإمكانات التي لا تزال تتكشف.

طلال أبوغزالة