التكنولوجيا، القوة والديمقراطية
10 مارس 2025لقد شهد قطاع التكنولوجيا تطورًا هائلًا على مدار الخمسين عامًا الماضية، حيث تميزت الابتكارات بالتسارع الشديد، مما أسفر عن خلق ثروات ضخمة وشركات عملاقة لم نشهد لها مثيلًا من قبل. ويعد هذا شاهدًا على قدرة الإنسان على تحقيق ما يمكن للعقل تصوره، حيث أسهمت الإنجازات العلمية والهندسية في دفع الابتكار التكنولوجي إلى آفاق غير مسبوقة، مما أتاح خلق العديد من المليارديرات نتيجة هذه العملية.
إن
الثروة الهائلة التي أوجدتها التكنولوجيا أسفرت عن خلق العديد من الفرص الوظيفية،
حيث تم منح القائمين على هذه الشركات سلطة واسعة. فالثراء لا يؤدي إلى المزيد من الثراء فحسب، بل يؤدي أيضًا
إلى تركيز القوة السياسية والاقتصادية في يد فئة قليلة من الأفراد، وهو ما يشكل
تحديًا كبيرًا.
يعتقد
كثيرون أن النظام الأمريكي يخدم الأثرياء الرأسماليين، وهو ما يتضح من خلال الفجوة
الكبيرة في الثروة داخل البلاد. فقد اتسعت فجوة الثروة بشكل ملحوظ على مدار العقود
الماضية، حيث يمتلك أغنى 1% الآن من الثروة أكثر من 90% من السكان مجتمعين. إن
تركيز الثروة هذا يحمل تداعيات بعيدة المدى، ليس فقط على الاقتصاد، بل على المشهد
السياسي أيضًا.
إذ يمتلك الأفراد والشركات الثرية تأثيرًا كبيرًا على السياسة وصنع السياسات. ويظهر ذلك بوضوح في طريقة تمويل الحملات الانتخابية، وفي قوة الضغط التي تمارسها الشركات الكبرى، بالإضافة إلى التنقل المستمر بين مجالس إدارات الشركات والمناصب الحكومية. وقد أبرزت قرارات ترامب الأخيرة هذه الديناميكية، حيث شغل قادة التكنولوجيا من شركات مثل جوجل، وميتَا، وأمازون، وتسلا، مواقع بارزة في الإدارة الجديدة. وقد شهدت هذه الشركات التكنولوجية زيادة هائلة في ثرواتها بمئات المليارات خلال العقد الماضي، في حين ظل الحد الأدنى للأجر الفيدرالي ثابتًا عند 7.25 دولار منذ عام 2009، مما أدى إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية بشكل كبير.
تؤدي الفجوة المتزايدة في الثروة إلى خلق حلقة مفرغة من الفقر، مع فازدياد ثراء الأغنياء، يكسبهم مزيدًا من السلطة لتشكيل السياسات التي تصب في مصلحتهم، وغالبًا على حساب بقية السكان. وهذا يؤدي إلى تقليص فرص التنقل الاجتماعي، وتضاؤل الفرص المتاحة للطبقات الوسطى والدنيا، فضلاً عن تزايد مشاعر الإقصاء والحرمان بين الناس.
تفشل الرأسمالية الأمريكية في صورتها الحالية في تلبية احتياجات الجماهير، مما يهدد الديمقراطية. فالتوازن بين أصحاب رؤوس الأموال والأموال التي يعيدون توزيعها في المجتمع يعاني من خلل كبير. يمتلك الأثرياء سلطة هائلة، في حين أن التوزيع غير المتكافئ للثروة بينهم وبين عمالهم يفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. هذا الخلل يهدد أسس الديمقراطية نفسها، حيث يصبح الناس أقل اهتمامًا بالنظام الحاكم وأكثر تركيزًا على رفاههم وفرصهم وازدهارهم، بغض النظر عن نوع النظام السياسي الذي يسيطر عليهم.
من أجل ضمان استمرارية الديمقراطية، يجب أن يتم بذل جهد منسق لمعالجة التفاوت في الثروة. ويتطلب ذلك تنفيذ سياسات تعزز الأجور العادلة، وتفرض ضرائب تصاعدية، وتوفر شبكات أمان اجتماعي قوية. علاوة على ذلك، يجب اتخاذ تدابير للحد من تأثير المال في السياسة وضمان سماع أصوات المواطنين العاديين وتقديرها
يمكن للولايات المتحدة أن تواصل السير في طريق تركيز الثروة والسلطة، مما يؤدي إلى مزيد من تآكل الديمقراطية، أو أن تتخذ خطوات جريئة لتصحيح الاختلالات وخلق مجتمع أكثر عدلاً. الخيار واضح. من أجل ازدهار الديمقراطية، يجب معالجة الفجوة في الثروة، ويجب ضبط سلطة الأقلية لضمان الحفاظ على رفاهية وازدهار الأغلبية فوق كل اعتبار.
من الضروري بناء مجتمع أكثر عدلاً لضمان استمرارية المبادئ الديمقراطية الأمريكية ولجمع الجمهور الأمريكي المتفرّق بشكل كبير.
طلال أبوغزاله